الفساد ظاهرة عالمية معقدة متعدده الأطر اجتماعية وإدارية وسياسية واقتصادية وثقافية تؤثر على جميع البلدان كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها ، آلة خبيثة تقوض التنمية وتعمل على زعزة الثقة فى الأجهزة الإدارية وقد تفشت ظاهرة الفساد حتى أصبحت ظاهرة وبائية فى الكثير من معاملاتنا اليومية .
وللفساد مظاهر كثيرة ومتنوعة سواء كان عن طريق الرشوة والوساطة على حساب الغير والمحسوبية أو إقصاء الكفاءات المؤهلة وتسكين دونهم أو عن طريق التكسب من وراء الوظيفة العامة واستغلال النفوذ وإساءة استخدام السلطة ، وقد يصل إلى حد التهاون فى تطبيق القوانين والتشريعات أو تطبيقها على نحو يخدم أغراض شخصية .
ونظراً لخطورة الفساد على النظام العالمى بأكمله قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 اكتوبر 2003 ، باعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، كما اعتمدت أيضا يوم التاسع من ديسمبر من كل عام بوصفه اليوم العالمى لمكافحة الفساد ، من أجل لفت الأنظار ونشر الوعى حول أشكال الفساد والعمل على التصدي له ومحاربته ، ولم تكن مصر بمنأى عن تلك الظاهرة فقد عانت منه الآمرين حتى اندلاع ثورة 25 يناير التى لم تكن ثورة على نظام الحكم بقدر ما كانت ثورة على الفساد السياسي والإدارى الذي عم البلاد فى تلك الفترة ، التي كشفت بدورها عن العديد من وقائع الفساد .
ولكن للأسف تم استغلال تلك الثورة من جماعات أصحاب أجندات وأفكار متطرفة فظهر فساد من نوع آخر اكثر غلظة ووضاعة من الفساد بثوبه المعروف فكان الابتزاز السياسى القائم على أن الغاية تبرر الوسيلة، ونحمد الله أن تلك الفترة لم لم تطل وانكشفت الغمة ولملم الوطن جراحه سريعا ، بعد ثورة شعبية عارمة شاهدها العالم وشهد لها بالموضوعية والأحقية، فاقتلعت أذناب ذلك الفساد من جذوره، وبزغ على مصر فجر جديد لاح بالامل وأتى لمصر بقائد عظيم قوى أمين، أقسم على اقتلاع ما تبقى من ذيول الفساد وكان القضاء على الفساد من أولويات برنامجه التنموى ، فلا تنمية ولا تقدم دون القضاء على الفساد،وتجفيف منابعه، فأطلق الاستراتيجية الأولى لمكافحة الفساد 2014 / 2018 ، ثم أعقبها بإطلاق الاستراتيجية الثانية 2019 / 2022 ، ثم الإصدار الثالث من الاستراتيجية 2023 / 2030، للتأكيد على إرادته وعزيمته الصادقة فى خلق بيئة وطنية نزيهه تكفاح الفساد بكافة أشكاله وإيمانا بأن الفساد آفة تقوض جهود التنمية المستدامة وتضعف الثقة المتبادلة بين المواطنين والدولة.
وقد قامت الاستراتجية الوطنية لمكافحة الفساد 2023 / 2030 ، على خمسة أهداف رئيسية من خلال :
أولا: دعم جهود مكافحة الفساد على مستوى الجهاز الإدارى وتعزيزقدرات موظفى الدولة المدنية وإرساء قيم النزاهة والشفافية وتطوير منظومة إدارية متكاملة للتعامل مع احتياجات المستثمرين .
أما الهدف الثانى، يدور حول خلق بنية تشريعية وقضائية داعمة لمكافحة الفساد من خلال تشريع حزمة من القوانين الداعمة لمكافحة الفساد، وتطوير الإجراءات الجنائية.
أما الهدف الثالث، فيقوم على تمكين جهات مكافحة الفساد والأجهزة الرقابية ودعمها تشريعيا وتوسيع اختصاصها وتنمية قدراتها البشرية والمادية والمالية وتفعيل الرقابة على المؤسسات الماليه المصرفية وغير المصرفية.
ويعمل الهدف الاستراتيجى الرابع، على توعية المواطن بمكافحة الفساد وتمكينه من المشاركة فى مكافحته من خلال النهوض بالمؤسسات التعليميه والإعلامية والثقافية والرياضية والدينية وزيادة جهود تلك المؤسسات التوعويه ونشر ثقافة رفض الفساد .
ويقوم الهدف الخامس، على بناء تعاون دولى وإقليمى فى مجال مكافحة الفساد وذلك من خلال تعزيز المعرفة وتبادل الخبرات وتنفيذ الاتفاقيات والإعلانات الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة الفساد، فضلًا عن التعاون فى مكافحة غسل الأموال واسترداد الموجودات بالخارج .
هذه الاستراتيجية جاءت برسالة ورؤية، أما عن الرسالة فهى ترسيخ ثقافة مجتمعية واعية ومكافحة للفساد برؤية بيئة وطنية نزيهة تكافح الفساد قوامها التجرد وبراءة السلوك البشري من أى أغراض خاصة، وتشجيع التعبير عن الرأى والإبلاغ عن قضايا الفساد لدى جهات مكافحة الفساد، والوضوح وإتاحة النشر الدورى للمعلومات والبيانات والوثائق التى تعزز جهود مكافحة الفساد .
فعلينا جميعًا شعبًأ وحكومة العمل على تنفيذ أهداف ومبادئ الاستراتجية الوطنية لمكافحة الفساد 2023 / 2030،التي أطلقها الرئيس فلا تنمية مستدامة دون القضاء على الفساد .