إقتراح بإنشاء "محكمة اليوم الواحد"
مالك السعيد المحامي يكتب: ابتكار عربي عالمي ضرورة مصرية
عدالة ناجزة تريح القضاة وترضي المتقاضين
مع تنامي المجتمعات وتعقيدات وتداخلات العلاقات الإنسانية بمفهومها الشامل ظهرت أنواع مختلفة ومتنوعة من النازعات والدعاوى القضائية، مما مثل معه إرهاقاً وعبئا ثقيلاً للقضاء، وكذلك أدي إلي طول فترات التقاضي، نظراً لاستلزام الدقة والاحتياط المطلوب عند إصدار الأحكام والحلول لهذه المنازعات، وهو أمر استوجب معه تخصيص القضاء واستحداث متواصل لآليات ودوائر ومحاكم نوعية جديدة فاعلة وناجزة لتجاوز تلك المشكلات المزمنة.
هذا التنوع في النزاعات والمحاكم والقوانين يستدعي بلا شك تنوعاً واستحداثاً مستمراً للمحاكم النوعية - الغير استثنائية - لتتناسب مع التطور في هذه المنازعات والقوانين، من ذلك جاءت الدعوة إلي تطبيق وتعميم "محكمة اليوم الواحد" والتي تختلف شكلاً وموضوعاً عن القضاء المستعجل.
ولا بد ان نبيثن هنا أن تخصيص محكمة لبعض انواع النزاعات والدعاوى لا يعني انها استثنائية، إنما يعني أنها محكمة (خاصة) تتفق والدستور والقانون، وهذا التخصص له أهمية عملية وفائدة كبيرة للقضاء وللمتقاضين على حد سواء، فتنوع القوانين والمحاكم بحسب أنواع الأنشطة الحياتية ينظم الأحوال الشخصية والإجتماعة والاقتصادية، ويحكم علاقة الأفراد ببعضهم البعض ويحكم علاقتهم بالدولة وعلاقة الدولة بالدول الأخرى.
إن مطلب "محكمة اليوم الواحد" يعد أمراً عاجلاً وملحاً تستدعيه الظروف المجتمعية بتنوعاتها وتعقيداتها المختلفة، وتفرضه المبادئ الدستورية العالمية ومواثيق حقوق الإنسان المتعلقة لتحقيق العدالة الناجزة وإتاحة وضمان حق التقاضي وتبسيط إجراءاته، مما يرفع عبئاً ثقيلاً عن القضاء من جهة ويحقق السرعة في الفصل في القضايا من جهة أخرى، ويساهم كذلك في إعداد قضاة متخصصين في النظر في هذا النوع من القضايا مما يساهم في تحقيق العدالة الكاملة للمتقاضين.. وكذلك لما لها من فائدة اقتصادية على الفرد والدولة من خلال دعم وتطوير أدوات الاقتصاد الوطني بشكل عام.
تستهدف "محكمة اليوم الواحد" فئة من الدعاوى وهى (المدنى المستعجل - إشكالات التنفيذ - الدعاوى المدنية التى أعلنت بشخصهم - قضايا الأسرة - محاكم الجنح الجزئية - محاكم الجنح المستأنفة) تدعو فيها الخصوم للحضور أمام المحكمة وتفصل فيها بذات اليوم بعد تحقيق أوجه دفاعهم ما لم ترى المحكمة خلافا لذلك، تحقيقا لدفاع الخصوم لحسم النزاع بينهم فى ذات اليوم، وتضع الحكم الصادر بينهم حيز التنفيذ بذات الجلسة.
أما عن مقترح تشكيل "محكمة اليوم الواحد" فيعني وجود جهة قضائية متخصصة بالنظر في قضايا المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومطالبات أجور العمال وكذلك بعض أنواع الدعاوى المتعلقة بأوامر الأداء، وكذلك قضايا الجنح والمخالفات التي يصدر بتحديدها قرار من النائب العام، والمحالة إليها من النيابة العامة المختصة خلال جلسة واحدة فقط، ويكون توزيع القضاة على محكمة اليوم الواحد بقرار من الجمعية العمومية بناءً على اقتراح رئيس المحكمة وموافقة رئيس دائرة التفتيش القضائي
ولتحقيق مطلب "محكمة اليوم الواحد" لا بد من إعداد حزمة من الإصلاحات التشريعية التي تدعم القضاء المتخصص وتكون بمثابة البنية القانونية لهذا التوجه العالمي بما يتلاءم مع التطورات السريعة الجارية في العالم، كما لا بد من إقرار بعض نصوص القوانين المتعلقة بالإجراءات القضائية الإلكترونية لتنوع المعاملات التجارية الإلكترونية والمدنية ولحاجة الأفراد إلى الدخول في مثل هذه المعاملات حتى تكون هذه القوانين نواة لتطوير النظام القضائي ورفع العبء الثقيل عن كاهل القضاه والمتقاضين ويحقق مبدأ العدالة الناجزة.
كذلك من الأهمية بمكان تطوير البنية الإدارية بأقسام المحاكم بهدف تحقيق العدالة الناجزة وتوطيد ثقة المتقاضين فى المحكمة بالمساهمة فى تسهيل معاملاتهم وإجراءاتهم والفصل فى قضاياهم فى ذات اليوم الذى تنظر فيه المحكمة الدعوى فى أولى جلساتها وتفصل فيها بذات الجلسة فى يوم واحد فقط.
وختاماً فإن إنشاء "محكمة لليوم الواحد" سيساهم في تحقيق عدالة ناجزة لمختلف فئات المجتمع، انطلاقاً من توفير بنية تشريعية ومنظومة قضائية متقدمة، وأنظمة حَوكمة عصرية، بما يواكب المحاكم العالمية والعربية، مثل محاكم اليوم الواحد بدولة الإمارات، وبما يتفق مغ متغيرات البيئة التقنية العالمية، ورفع كفاءة نظام إدارة الدعاوى، من حيث تخفيض متوسط عمر القضايا، وتعزيز استقرار الهيئة القضائية، وتطوير أداءها، ورفع مستوى جودة تقارير الخبراء، وحلّ المشكلات الأسرية عن طريق التوجيه والتسوية الودية، وتعزيز المعرفة القضائية لدى فئات المجتمع .