منذ 3 ساعة و 1 دقيقة 0 10 0
فاتن فتحي تكتب: حين تصبح التضحية مهنة.. التمريض المنزلي بين مواجهة المخاطر وتحقيق الإنجازات
فاتن فتحي تكتب: حين تصبح التضحية مهنة.. التمريض المنزلي بين مواجهة المخاطر وتحقيق الإنجازات

 

 

في زاوية هادئة متشحة بالحزن والرجاء فى إحدى المنازل يجلس مسنّ يتشبث بيد ممرّض شاب لا يعرفه إلا بالاسم، لكن يراه كجسر أخير بينه وبين الحياة. خلف هذا المشهد اليومي تختبئ آلاف الحكايات التي لا تصل إلى وسائل الإعلام ونوافذ الشهرة.. حكايات عن سهرٍ ومعاناة والتزام وتضحيات تمتد لساعات، ظهورٍ تكاد تتقوس من كثرة الانحناء، قلوبٍ مثقلة بالمسؤولية.. هؤلاء هم الممرضون الذين يدخلون البيوت بلا ضجيج، يواجهون أخطار العدوى، العنف أحيانا ، الإرهاق، لكنهم يواصلون العمل وكأنهم يحملون رسالة تتجاوز حدود الأجر. إنهم حُرّاس الإنسانية الذين يُضحّون بصحتهم من أجل أن يستعيد غيرهم عافيته.
مقدّمو الرعاية المنزلية والممرضون الذين يعتنون بكبار السن في بيوتهم هم الواجهة الإنسانية لمنظومة الصحة، وأحيانًا ظلّها الذي لا يراه أحد. هذه الفئة تشهد توسعًا متزايدًا عالميًا، ففي الولايات المتحدة وحدها يعمل أكثر من 4.3 مليون شخص في مهن المساعدين المنزليين ومقدمي الرعاية الشخصية، لتصبح من أكبر فئات القوى العاملة الصحية نموًا.
نجاح الرعاية المنزلية يُقاس بخفض إعادة الإدخال للمستشفيات، وتحسين معدلات التعافي، وتقليل التكلفة الكلية للرعاية. دراسات متعددة أظهرت أن الحصول على خدمات الرعاية المنزلية يقلّص معدلات إعادة الإدخال بنسبة تراوحت بين 30% و34% في بعض النماذج، خصوصًا حين يبدأ التدخل المنزلي في غضون أسبوع من خروج المريض من المستشفى.
في الولايات المتحدة توجد برامج تدريب رسمية واضحة، حيث يبلغ الحد الأدنى الفدرالي لتدريب المساعدين 75 ساعة، بينما توفر بعض المؤسسات برامج أوسع تصل إلى 200 ساعة وأكثر، تشمل تدريبًا عمليًا مباشرًا. ساعات العمل مرنة لكنها مرهقة، إذ تمتد الزيارات المنزلية عادة من ساعة إلى ثلاث ساعات، مع جدول مكثف يتضمن مساءات وعطلات. ويواجه العاملون ضغطًا نفسيًا وبدنيًا كبيرًا، ما يرفع معدلات ترك العمل.
في أوروبا، تبرز نجاحات ملموسة في برامج الوقاية من الإصابات العضلية والهيكلية عبر تشريعات خاصة بالمناولة اليدوية وتدريب إلزامي على حمل المرضى واستخدام الأجهزة المساعدة. هذه البرامج خفّضت نسب الإصابات وساهمت في تحسين بيئة العمل، لكن لا يزال هناك بطء في إدماج المخاطر النفسية والاجتماعية ضمن معايير الاعتماد.
في الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، يشهد القطاع نموًا سريعًا مع وضع أطر ترخيص ومعايير إلزامية للرعاية المنزلية. كما ظهرت برامج تدريبية ودبلومات مهنية مخصصة للأطباء والممرضين العاملين في المنازل. غير أن البيانات التفصيلية حول نسب الإصابات والنجاحات لا تزال محدودة، ما يجعل القياس الدقيق صعبًا، رغم وضوح الاتجاه نحو تحسين جودة الخدمة.
في مصر، يتزايد الطلب على الرعاية المنزلية مع التغيرات الديموغرافية وارتفاع نسبة كبار السن، ويشهد السوق توسعًا ملحوظًا في الشركات والمقدّمين. لكن غياب إحصاءات دقيقة حول أعداد العاملين في هذا المجال ونسب الإصابات المهنية يشكّل فجوة كبيرة. الحاجة واضحة إلى نظام وطني لتسجيل البيانات ومراقبة الجودة، وربط تراخيص مقدمي الخدمة بمعايير التدريب والإبلاغ عن الحوادث.
الجانب التأميني يختلف بحدة بين المناطق: في الولايات المتحدة يغطي نظام "ميديكير" خدمات محددة ضمن شروط صارمة (حتى 28 ساعة أسبوعيًا غالبًا)، بينما في أوروبا تتبنى بعض الدول مثل ألمانيا أنظمة تأمين اجتماعي للرعاية طويلة الأمد تغطي الرعاية المنزلية بشكل موسع. في المقابل، يعتمد الخليج ومصر بشكل أكبر على الدفع المباشر أو بوليصات تأمين محدودة التغطية، ما يزيد العبء المالي على الأسر.
التجارب الدولية أثبتت أن الاستثمار في التدريب المنتظم، استخدام الأجهزة المساعدة، اعتماد بروتوكولات الوقاية من العدوى والسقوط، وإدخال سياسات للتعامل مع العنف، يؤدي إلى تقليل الإصابات المهنية وتحسين النتائج الصحية للمسنين.
سطور أخيرة: العاملون في التمريض المنزلي ورعاية المسنين يحققون نجاحات ملموسة في تحسين التعافي وخفض إدخال المرضى للمستشفيات، لكن هذه النجاحات تظل هشة إذا لم تحطها سياسات حماية واضحة، تدريب ممنهج، تغطية تأمينية عادلة، وقياسات علنية للأداء. الاستثمار في هؤلاء الممارسين هو استثمار في إنسانية النظام الصحي واستدامته.
سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

sss

شارك وارسل تعليق

أخبار مشابهة

أخبار مقترحة

بلوك المقالات

الصور

أخر ردود الزوار

الكاريكاتير

أخبار الدوري المصري

استمع الافضل